مسارات مغاربة في إسكندنافيا .. مصطفى أولخو يلازم "رهانات حلوة" في النرويج
استهل مصطفى أولخو ثاني عِقد من التواجد في النرويج دون أن تتخلى شخصيته عن البساطة التي عرف بها وقت الاستقرار ما بين مدينتَي الرشيدية ومراكش، وإن كان لسانه قد ألف الحديث بلسان النرويجيين فإنه، أيضا، لا يزال محافظا على تعابيره الهوياتية الأصلية، ومتحليا بنفس روح المبادرة التي اكتسبها ما قبل الهجرة.
تطور مسار أولخو ببطء في حيز استقراره الإسكندنافي حتى ثباته على فكرة تجعل مستقبله منفتحا على طموحات جديدة، إذ تدرج بين مجموعة من المهن البسيطة قبل أن يشرع في الترويج لصناعة حلويات صحية متميزة، ويحدث شركة خاصة به بغية تطوير هذا الورش الحامل رهانات اقتصادية وأخرى ثقافية.
من الرشيدية إلى مراكش
ازداد مصطفى أولخو بين أفراد أسرة بسيطة تسكن مدينة الرشيدية، إذ ينحدر الأب والأم من قريتَي أوفود وإيكنز، على التوالي، وفي أحضان هذا الفضاء الجغرافي نال تربية باعثة على الانضباط والإقبال على العمل منذ الصغر، زيادة على ضرورة التحلي باحترام الغير حتى إن حضر الاختلاف بأي شكل من الأشكال.
ويقول مصطفى: “عشت التعثر الدراسي بعدما توقف مساري عند السنة التاسعة من التعليم الأساسي، وبعدها قررت الالتحاق بالقوات المسلحة الملكية في تجربة استمرت سنة واحدة بمدينة مراكش، ثم جاء الاستقرار في الحاضرة نفسها، بعيدا عن الرشيدية، مقبلا على فرص شغل في مجموعة من الميادين المختلفة”.
كما يؤكد أولخو أنه حاز دعم عمته المقيمة في مراكش التي وفرت له الرعاية ليجرب العمل في مخبزة ثم “مقهى أنترنيت”، قبل أن يتحول إلى الاشتغال في ميدان المطاعم بقية فترة التواجد بـ”مدينة البهجة”، وبعدها تعرف إلى شابة نرويجية مغربية، صارت زوجته، ليرافقها نحو منطقة إسكندنافيا بشمال أوروبا.
مخلفات عسكرية
يعتبر مصطفى أولخو أن إقباله على الالتحاق بالقوات المسلحة الملكية جاء من أجل خلق قطيعة مع إيقاع الهدر المدرسي وفترة الفراغ الناجمة عنه، من جهة، وللانفتاح على تجربة جديدة كان جميع أفراد عائلته يتهربون منها، فكان له ما أراد رغم أن المحيطين به حاولوا إقناعه بالبحث عن وجهة أخرى تلائم قدراته.
ويورد أولخو بخصوص تلك الفترة: “عملت في عدد كبير من المهن منذ نعومة أظافري. ولذلك، لم أتخوف من الإقبال على ارتداء الزي العسكري والامتثال للمطلوب من كل جندي في الجيش المغربي. وقد قضيت سنة في ثكنة بمراكش دون أن أحس بالندم على القيام بهذه الخطوة المتميزة في مسار حياتي”.
وعلى الرغم من ارتباط مصطفى أولخو بالعسكر سنة واحدة فقط، فإنه يشدد على استفادته كثيرا من الاعتياد على الاستيقاظ باكرا للانكباب على إتمام المهام المسطرة في برنامجه اليومي، ويؤكد أن صقل مهارات الاعتماد على الذات وسط الثكنة لا تزال قابلة للاستغلال من لدنه حتى بعد الانخراط في تجربة الهجرة خارج المغرب.
رهانات مغايرة
ينفي “ابن الرشيدية” أن يكون قد فكر في الرحيل عن الوطن الأم قبل التقائه بزوجته المغربية النرويجية، معتبرا أن الهجرة الوحيدة التي أغرته هي تلك التي جعلته يغادر فضاء الحياة الطفولية في الجنوب الشرقي ليضع الرحال في مراكش، مثلما أن الانتقال من مهنة إلى أخرى يمكن اعتباره صنفا من الهجرة بما يحمله من تغييرات تستدعي التأقلم من جديد.
ويقول أولخو: “صحيح أنني حصلت على فرص عديدة من أجل التحرك نحو مجموعة من البلدان الأوروبية، ومن يعرفون مراكش يعون أن ذلك متاح للمتواجدين في هذه المدينة، إلا أن ذلك لم يشدني إليه حتى أحببت امرأة جعلتني أوقن بأن الوقت قد حان من أجل إنشاء نواة أسرية برهانات مستقبلية مغايرة”.
كما يعتبر المستقر في النرويج منذ 10 سنين أن الانتقال إلى منطقة إسكندنافيا لم يؤثر على مكتسبات التنشئة البسيطة التي عملت على تأطيره منذ الولادة. لذلك، يحرص على جعل طموحاته تنمو دون استعجال، ومهاراته تتطور باستحضار للعقلنة في الأداء، ويزيد: “صدفة جميلة جاءت بي إلى أوسلو، ومكتسباتي في المغرب تشق طريقي نحو أفق أرحب كل يوم”.
في انتظار فكرة
في مرحلة القيام بالإجراءات الإدارية الضرورية للحصول على تأشيرة الالتحاق بزوجته في مملكة النرويج، استغل مصطفى أولخو الباحة الزمنية لهذه الفترة الانتقالية في جمع بعض المعلومات حول مميزات وجهته المقبلة، والتعرف على عدد من القواعد الأساسية التي تتيح التواصل باللغة النرويجية.
“كل ما حاولت تجهيزه مسبقا اصطدم بصعوبة كبيرة عند وصولي إلى إسكندنافيا، إذ لم يكن مخولا لي الإقبال على سوق الشغل طيلة شهرين من الزمن. لذلك، أحسست بضغط شديد عندما وجدت نفسي في عطالة، ولم أتخلص من ذلك إلا بالحصول على عمل بالموازاة مع التقدم في تعلم لسان أهل البلد”، يورد أولخو.
استهل مصطفى حياته المهنية في النرويج، بعد الحصول على تكوين في الرعاية الاجتماعية، بالانتماء إلى طاقم خبير بتقديم العناية إلى المستفيدين من خدمات دار للمسنين في أوسلو، ثم تحول إلى دار للطفولة يرتادها صغار في وضعيات صعبة ناجمة عن مشاكل أسرية تختلف من حالة إلى أخرى؛ لكن الطفرة حضرت من خلال فكرة مشروع خاص تتيح له العمل لحسابه.
شركة “رومو”
في مطلع سنة 2020، قرر مصطفى أولخو استحضار مهاراته الحلوانية، المكتسبة زمن عمله بالمغرب قبل الهجرة، لتأسيس شركة أطلق عليها اسم “رومو”؛ وهي تسمية مختصرة تجمع الحرفين الأولين من اسمه الشخصي والعائلي بعبارة نرويجية دالة على المواد الغذائية ذات الأصل الطبيعي، بينما نشاط هذه الشركة يتصل بصناعة حلويات من ابتكار الشاب الوافد من مراكش.
ويقول ذو الأصل المغربي عينه: “بدأت الفكرة بتذوق بعض معارفي لحلويات أصنعها من البندق والتمر، دون إضافة الدقيق أو السكر أو البيض أو الحليب أو الزبدة، وقد أبانوا عن إعجاب جعلهم يطلبون مني صناعة كمية إضافية لهم مقابل تعويض مالي”.
ويكشف أولخو أن اعتماده على العمل بطريقة توفر الجودة في الحلويات التي يصنعها قد جعلت الرواج حاضرا، ويتصاعد كل يوم، خاصة بعدما قامت زوجته بوضع المنتجات الخاصة به على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي، كما يضيف أن هذا التطور دفعه إلى إنشاء شركة لتسهيل المعاملات وحماية الحقوق ذات صلة بالمشروع.
طموحات حاضرة
يراهن مصطفى أولخو على شريحة الزبناء المائلة إلى استهلاك المنتجات “Bio” في تنمية نشاطه التجاري النوعي، خاصة أن سلسلة الإنتاج التي يشرف عليها شخصا ترفض الاعتماد على المواد المصنعة من أجل إضافة النكهات، ويعتبر أن حجم الطلبات التي وصل إليه يبعث على نقل الشركة إلى مرحلة العمل الموالية في فضاء أرحب وبطاقم متخصص.
ويفسر “ابن الرشيدية” قائلا: “أخال أن فترة التأسيس وصلت إلى نهايتها؛ وبالتالي، لم يعد الاشتغال في الفضاء المنزلي يواكب الإيقاع المتصاعد للطلبات المتوصل بها، وصرت محتاجا إلى البحث عن أناس قادرين على تعلم طريقة الإنتاج التي تنهل كثير من الثقافة المغربية ومواد غذائية حاضرة في الجنوب الشرقي لوطني الأم”.
كما يرى أولخو أن تصوره للمستقبل في هذا الميدان الحلواني، بجانب مواصلة الإنتاج والتوصيل إلى مختلف الوجهات الراغبة فيه، يرتبط بافتتاح مقهى يقدم حلوياته مباشرة إلى الزبناء، وجمع أكبر منسوب من الثقة قبل جعل الأداء ينتشر على مجموع التراب النرويجي، مع إمكانية استهداف باقي دول إسكندنافيا لاحقا.
خصال الناجحين
يلخص مصطفى أولخو 10 سنوات من العيش في النرويج بتأكيده على أن الفرص متاحة للجميع في هذه البلاد الأوروبية، وأن من يريد القيام بأي خطوة تسوقه إلى النجاح عليه أن يتحلى، أولا، بنفس طويل في البحث عن الفكرة المميزة التي يمكن أن يهب لها تركيزه ووقته وجهوده على مدار الساعة.
ويقول “ابن الرشيدية” ناصحا المقبلين على الهجرة: “المجتمع النرويجي يرحب بكل الجديرين بالثقة، وهم المتحلون بالجدية في أدائهم والالتزام بالأدوار المنوطة بهم، بينما الشريحة التي تفضل السبل السهلة يحصدون نتائج قليلة قبل أن يطالهم انهيار أكثر سهولة”.
“لا خوف على من اعتادوا العمل بلا حساب قبل اختيار الهجرة، فهؤلاء يعرفون أن التفاني لا يمكن أن ينعكس عليهم بأمور سلبية، واليقين أن المجتمع النرويجي يقدم الدعم الكامل للطموحين دون أي تردد، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، يختم مصطفى أولخو.