الراشدي: "هيئة محاربة الرشوة" استقطبت كفاءات عالية لمواجهة ملفات الفساد
في هذا الحوار مع جريدة هسبريس يسلط محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الضوء على الأوراش التي تنتظر الهيئة، بعد إعلان بلاغ للديوان الملكي تعيين أعضاء مجلسها الوطني.
كما يتطرق الراشدي في هذا الحوار، الذي يأتي بعد أيام على تعيين المجلس الوطني للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، للأدوار التي تضطلع بها الهيئة في مجال مكافحة الفساد، وكذا أوجه التلاقي والتقاطع مع باقي السلطات الأخرى، خاصة مؤسسة النيابة العامة.
من جهة أخرى، أجاب رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في هذا الحوار عن عدد من أسئلة جريدة هسبريس الإلكترونية حول تجريم الإثراء غير المشروع، ومدى استقلالية الهيئة.
وفيما يلي نص الحوار:
ما هي الأوراش التي ستباشرها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بعد تعيين مجلسها الوطني؟
هذا التعيين الذي جاء على إثر بلاغ الديوان الملكي الصادر في 24 أكتوبر يجعل القانون 46.19 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يدخل حيز التنفيذ. وبالتالي، يمكن للهيئة أن تقوم بجميع مهامها، فهي مطالبة بتحمل مسؤولية مجموعة من المحاور، والقيام بخلق دينامية بين جميع المتدخلين في مجال الوقاية ومكافحة الفساد، علما أن هؤلاء المتدخلين كثر؛ لأن ظاهرة الفساد معقدة وتتطلب تدخل وتحمل المسؤولية من طرف مجموعة من السلط والمؤسسات العمومية، وكذلك التعاون مع القطاع الخاص ومع المجتمع المدني.
إذن، فحن أمام ورش وطني يتطلب من الهيئة لعب دور التنسيق والتوجيه وضمان تتبع تنفيذ كل ما يتم الاتفاق عليه واحترام الأولويات من أجل تحقيق أهداف ملموسة، وأن يكون هناك أثر على المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين حتى نتمكن أولا من استرجاع الثقة أولا، وثانيا حتى نتمكن من خلق انخراط جماعي يكون قادرا على احتواء هذه الظاهرة بجميع تمظهراتها. ولذلك، فهذا التعيين كان هو الانطلاق، الذي من المفروض أن يفتح الباب أمام حقبة جديدة لمكافحة الفساد في المغرب.
كيف تقيمون الوضع الحالي لمحاربة الفساد في المغرب؟ وما الذي ستقدمه الهيئة في هذا الإطار؟
قبل أن أتحدث عن القانون وعلاقته مع الوضع حاليا ومستقبليا، دعني أتكلم عن الأسباب التي جعلت أنه بالرغم من المجهودات الكثيرة التي تم القيام بها على الأقل خلال العشرين سنة الماضية لم يتغير وضع المغرب على مستوى إدراك المواطنين لظاهرة الفساد وتطورها في حياتهم اليومية، سواء كانوا مواطنين عاديين أو مواطنين لهم عمل في المجال الاقتصادي أو في مجالات متعددة.
لقد أصدرت هذه الهيئة مجموعة من التقارير التي تذهب في هذا الاتجاه، أي الوقوف أولا على واقع الحال بالنسبة للفساد في المغرب، وقامت بتحليل العوامل التي تفسر هذا الوضع، وأسباب عدم تحسين المغرب لوضعه على المستوى الدولي خلال 20 سنة ولم يحقق إلا نقطتين عبر 20 سنة على مستوى مؤشر إدراك الفساد وبقائه في مستويات جد متدنية.
إن الأسباب التي وقفت عليها الهيئة، رغم المجهودات الكبيرة التي بذلت والإنجازات التي لا يستهان بها تكمن في أن هذه المنجزات لا يتم استثمارها بالكيفية اللازمة وبالتفعيل الكافي كي يكون لها أثرا.. والأكثر من ذلك، فحتى لو ذهبنا بعيدا في تنفيذ كل إجراء على حدة فإنه لا يمكننا تحقيق الأهداف المرجوة، إذا لم تكن لدينا التقائية ومقاربة تتسم بالتآزر بين الفاعلين، أي ضرورة تقارب مفصلي بين جميع المتدخلين مهام جميع السلطات.
إذن، هذه من بين العوامل التي تقلص من أثر الإجراءات المتخذة، وحتى عندما يكون هناك تقدم يتلوه تراجع؛ وذلك بسبب غياب النفس الطويل، وعدم الانخراط في دينامية للتغيير المستدام الذي يتقوى باستمرار.
ولهذا، فانطلاقا من المقتضيات الدستورية والتوجيهات الملكية، فإن قانون الهيئة ذهب نحو الإلمام بجميع تمظهرات الفساد؛ فهذا القانون جاء ليوسع مفهوم الفساد، حتى يكون شموليا، ولا يقف فقط عند أفعال الفساد التي يعاقب عليها القانون الجنائي، بل يشمل كذلك أفعال الفساد التي تكون لها عقوبات إدارية أو مالية. كما أنه يفتح الباب لكي يشمل مفهوم الفساد كل المخالفات التي يمكن أن تدرج في قوانين خاصة مستقبلا.
أما من ناحية العمل، فإن القانون المذكور جاء ليكمل المنظومة المؤسساتية التي لها مسؤولية في مجال مكافحة الفساد بمأسسة ذات اختصاص جوهري؛ لأن هذا الاختصاص هو الذي سيكون ضامنا للالتقائية والضامن لتوحيد الرؤية والتوجهات التي سيسير فيها المغرب من أجل مكافحة الفساد بفعالية.
إذن، فالهيئة لها دور في القيام بمهام مباشرة، أي مهام ذاتية، وكذلك تقوم بمهام التنسيق والإشراف وضمان التتبع. وهذا الدور له أهمية كبيرة؛ لأنه هو الذي سيضمن فعالية ما نقوم به مستقبلا.
هل تملك الهيئة الإمكانيات المادية والبشرية للقيام بمهامها في محاربة الفساد؟
أولا، يمكن أن أرجع إلى ما قامت به الهيئة خلال هذه الفترة الانتقالية، والتي كانت بالفعل فترة تأسيسية، بحيث استثمرت الهيئة هذه الفترة كي تهيئ أسس العمل المستقبلي بوضع أسس التوجه الاستراتيجي لسياسة الدولة في مكافحة الفساد، والتي ستعرض مستقبلا على جميع المتدخلين في هذا المجال. كما عالجت في هذا الإطار مجموعة من المواضيع التي تعتبرها ذات أولوية لما لها من أثر على المواطنين مباشرة، وكذلك لها أثر مهيكل يمكن من تقوية ما سيتم الاشتغال عليه مستقبلا. وفي هذا الصدد، يمكنني أن أشير إلى أن الهيئة عالجت 34 موضوعا بكيفية معمقة، سواء من حيث التشخيص أو التحليل أو من ناحية قياس الأثر المتوقع، وكذا من ناحية التوجهات والتوصيات والاقتراحات التي تقدمها الهيئة والتي تتميز بالالتقائية فيما بينها انطلاقا من الرؤية.
وانطلاقا من هذا كله، فإن الهيئة اليوم تتوفر على مجموعة من الأسس التي ستبني عليها العمل المستقبلي. أما من ناحية الإمكانيات المادية والبشرية، فإن الهيئة قامت باستقطاب مجموعة من الكفاءات والخبرات وقامت بتكوينهم من أجل القيام بأدوار البحث والتحري.
لقد استقطبت الهيئة كفاءات عليا من سلطات ومؤسسات لها دور في البحث والتحري، كل واحدة فيما يخصها، سواء المجلس الأعلى للحسابات أو الشرطة القضائية أو مراقبة التراب الوطني أو الجمارك إلخ؛ وذلك من أجل خلق نواة ترتكز على كفاءات متعددة الاختصاصات، علما أن التقاطع بين هذه التخصصات سيعطينا قوة أكبر في معالجة هذه الظاهرة.
هل هذه الكفاءات موظفة لدى الهيئة أم ما زالت تابعة للقطاعات التي تشتغل فيها؟
لا لا، هم موظفون لدى الهيئة، انطلاقا من ضرورة وجوب استقلالية الهيئة؛ فهم موظفون وملحقون بالهيئة ويشتغلون تحت سلطة الهيئة بكيفية مستقلة تماما. وقد نظمت الهيئة دورات تكوينية لهذه النواة تقدر بمئات الساعات في أزيد من 90 موضوعا محددا، والتي أشرف على تأطيرها خبراء وطنيون ودوليون.
تحدثتم عن استقلالية الهيئة، إلى أي حد هذه الاستقلالية مضمونة؟
القانون واضح، وقد أكدنا منذ بداية مناقشته في البرلمان على ضرورة الاستقلالية حتى تكون هناك مصداقية، وقد كان هناك مزج بين التكامل المؤسساتي والاستقلالية الدستورية. وقد حافظ القانون على هذا التوازن بكيفية قوية؛ لكن هذه الاستقلالية لا تعني أن الهيئة معزولة، بل تشتغل في إطار جهاز مؤسساتي متعدد التدخلات والسلطات. إن قرار كل هيئة ومؤسسة يرجع إليها بكيفية مستقلة؛ ومن حيث الممارسة، فإن الجواب عن هذا السؤال مرتبط بالسؤال السابق، أي أنه يجب توفير الإمكانيات المادية والبشرية، فنحن هيأنا مشروع ميزانية سيعرض على المجلس الوطني للهيئة نهاية هذا الأسبوع بتشاور مع السلطة المكلفة بالميزانية والذي سيمد الهيئة بإمكانيات جد مهمة من أجل إعطاء انطلاقة ذات مصداقية، والتي ستعطي بعدا للانتقال الذي نتحدث عنه.
ماذا عن التوجيهات الملكية في هذا الشأن؟
التوجيهات الملكية واضحة. وصاحب الجلالة أعطى، خلال الاستقبال الذي شرفني به بمناسبة تعييني، توجيهاته بتغيير القانون من أجل تقوية دور الهيئة وضمان استقلاليتها وتنزيل المقتضيات الدستورية حتى تتمكن الهيئة من القيام بمهامها على الوجه الأمثل، حيث تم التعبير عن ذلك بهذه الكيفية، من أجل تحقيق نقلة نوعية في مكافحة الفساد ببلادنا. نتمنى أن نكون في مستوى المسؤولية والثقة التي وضعت فينا.
ما هي مقاربة الهيئة لمكافحة الإثراء غير المشروع، خاصة بعد سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي الذي تضمن مقتضيات تهم هذه الجريمة؟
أولا، بالفعل كان عندنا رأي تقدمنا به في إطار التقرير السنوي لسنة 2020، وقد حددنا قراءتنا بخصوص المقتضيات التي كانت مطروحة. كما قدمنا مقاربتنا التي نقترحها لأجل معالجة موضوعية من شأنها تحقيق الفعالية في هذا الجانب من جوانب مكافحة الفساد.
وبمناسبة التقرير السنوي لسنة 2021، قدمنا تقريرا موضوعاتيا خاصا بالإثراء غير المشروع وكيفية التعامل معه. وقد ذهبنا في التحليل والبحث عبر مقاربة تقوم على الدراسة المقارنة من أجل الاطلاع على التجارب الدولية في مواجهة هذا الجانب من تمظهر الفساد. وقد وصلنا إلى خلاصة مفادها أنه يجب التعامل مع الإثراء غير المشروع كجريمة قائمة بذاتها. كما قمنا بتحليل كيفية معالجة النقطة التي كانت وما زالت موضوع نقاش مستفيض، وهي قلب عبء الإثبات. وفي هذا الصدد، اقترحنا معالجتها عبر محطتين: بحيث يجب أولا إثبات أن هناك إثراء، وهذا الجانب من مسؤولية النيابة العامة، إذ إن الدولة هي المسؤولة على إثبات أن هناك إثراء غير متناسب مع المداخيل. أما الشق الثاني، فعندما نقف على أن هناك إثراء غير متناسب، فإن المعني بالأمر يصبح مطالبا بإثبات أن ذلك الإثراء مشروع، أي تبرير الفرق بين المداخيل والمستوى الذي تم الوقوف عليه بطريقة موضوعية وبكيفية تحافظ على حقوق الأفراد، بحيث يقع عليه عبء إثبات أن مصدر ثروته مصدر مشروع، وإذا لم يستطع تصبح جريمة، ويصبح مدخلا من مداخل إثبات الفساد، وهذه مسألة أساسية وقفنا عليه، إذ في جميع التجارب الدولية التي عالجت هذا الموضوع انطلقت من كون الفساد ظاهرة معقدة، ظاهرة يصعب إثباتها بالوسائل المتاحة عادة، وبالتالي، فإن الإثراء غير المشروع يكون مدخلا يسمح بإثبات أن هناك بالفعل فسادا.
المشروع الذي تم سحبه لم يتضمن العقوبة الحبسية، واكتفى بالغرامة في جريمة الإثراء غير المشروع.. هل تتفقون مع هذا التوجه؟
نحن نقول إن العقوبة يجب أن تكون متوازية مع الفعل ومستوى الإثراء، ويجب المحافظة على العقوبة الحبسية من بين العقوبات التي يمكن أن تقع على المتهم.
هل تتفقون مع اعتماد تقارير المجلس الأعلى للحسابات مصدرا وحيدا للبحث والتحري حول جريمة الإثراء غير المشروع؟
هنا أرجع إلى موضوع آخر عالجناه بكيفية مستفيضة، والذي نعتبره أساسيا ومهما جدا؛ وهو التصريح الإجباري بالممتلكات، بحيث اعتبرنا أن الخروج من إكراهات العدد وإكراهات عبء معالجة المعطيات والتقاطع فيما بينها. اقترحنا أن يكون هناك نظام متكامل، ليس فقط من الناحية التشريعية، ولكن أيضا من الناحية العملياتية، بحيث نقترح أن يكون هناك نظام معلوماتي متطور، يساعد المعنيين على القيام بتصاريحهم ويسهل عليهم المأمورية؛ ولكن كذلك يعالج المعطيات بكيفية أوتوماتيكية للوقوف على مكمن الخلل، فحينما يكون هناك فرق بين ما هو محتمل أن يكون في ثروة المصرح وبين ما يمكن الوقوف عليه من معطيات تتم الإشارة إلى أن هذا الملف يستدعي التدقيق. وهذا لا يعني أن المصرح ارتكب مخالفة؛ بل إن الملف يستدعي التدقيق، وبالتالي نقلص بكيفية كبيرة من المجهودات اللازمة لمواكبة التصاريح، وهذا مجرد مثال فقط، وإلا فإن الاقتراحات التي قدمتها الهيئة هي جد غنية بالتحاليل.
بعد سحب الحكومة لمشروع القانون الجنائي الذي كان يتضمن مقتضيات تتعلق بالإثراء غير المشروع.. هل هناك مشاورات بينكم وبينها حول مشروع آخر؟
أولا، نحن مطالبون بتقييم مدى التفاعل مع التوصيات والاقتراحات التي نتقدم بها. وفي التقرير الخاص بسنة 2021، أوضحنا أن التوصيات التي نتقدم بها بصفة عامة يظل التفاعل معها في مستوى ضعيف، إن لم نقل إنه شبه منعدم.. والآن مع هذه الدينامية الجديدة ومع تعيين الأعضاء، وفي نهاية هذا الأسبوع وبالموازاة مع عقد الاجتماع الثاني للمجلس الوطني للهيئة ستقوم الهيئة بتقاسم كل ما تقدمت به، وسنعطي دفعة جديدة في إطار القانون الذي يسمح للهيئة بأن تطلب إفادات بخصوص مآل توصياتها وتقاريرها.
أفهم من كلامكم أن الحكومة لم تفتح، إلى حد الآن، حوارا معكم حول تجريم الإثراء غير المشروع؟
لا، لا علم لنا بأي مشروع، والآن سندخل في إطار نوع من التعاون مع السلطات، وحينما نتقدم بتوصيات فيجب أن نعرف موقف السلطات من تلك التوصيات.
هل ترون أن قانون تجريم الإثراء غير المشروع يقتضي طبيعة استعجالية؟
أظن أنه جانب من الجوانب التي تؤطر أفعال الفساد، ونعتبر أنه يجب أن يخرج إلى حيز الوجود في وقت قريب.
ما هي مقاربتكم لمعالجة تضارب المصالح؟
نحن قدمنا دراسة معمقة بهذا الخصوص. ومن بين الأمور التي أكدنا علينا أن تضارب المصالح لا يمكن القضاء عليه نهائيا، إذ من الصعب أن نجزم بأننا سنقطع نهائيا مع تضارب المصالح؛ لكن نعتقد أن الأهم هو تأطير هذا المجال، حتى لا تكون له عواقب وتصبح أفعال فساد.
وقد حددنا من خلال هذه الدراسة كيفية التعامل مع وضعية تضارب المصالح، من حيث التصريح والمطالبة بالحصول على معلومات كلما تبين أن هناك اكتمالا لوضعية تضارب المصالح، وكذا الإجراءات التي يجب اتخاذها للحد من مخاطر هذه الوضعية.
المفتشيات العامة للوزارات تقوم بإعداد تقارير حول بعض الاختلالات التي قد ترتقي إلى أفعال فساد.. هل لديكم الحق في الاطلاع على هذه التقارير واعتمادها منطلقا للبحث والتحري؟
القانون واضح في هذه المسألة، ويمكن للهيئة الاطلاع على تقارير التفتيش وغيرها، ومن حقها أن تطلب هذه التقارير.
ما هي حدود التلاقي والتقاطع بينكم وبين النيابة العامة؟
نحن نعتبر أن الفترة التي أخذها مشروع القانون، والتي كانت طويلة ودامت أزيد من سنتين كانت فرصة لتعميق النقاش وتوحيد الرؤية والاتفاق على أساس العمل الجماعي، بما أن القانون يتكلم في مدخله المتعلق بعمل الهيئة عن التكامل؛ فكيفما تحدثنا سابقا، فإن الاستقلالية أساسية، لكن التكامل ضروري أيضا، وهنا نتكلم عن النيابة العامة والتي لديها مجال تكامل واسع مع الهيئة.
وفي هذا الصدد، فإن مأموري الهيئة يباشرون مهامهم أحيانا بمشاركة ضباط الشرطة القضائية بطلب من رئيس الهيئة للنيابة العامة فيما يخص ولوج المحلات الخاضعة للقانون الخاص؛ لأن المأمورين يمكنهم القيام بمهامهم بمفردهم في المحلات الخاضعة للقانون الخاص، فإن مباشرة هذه المهام في محلات القطاعات الخاضعة للقانون الخاص يتطلب مشاركة ضباط الشرطة القضائية في احترام للمقتضيات الدستورية التي تجعل أن هذه السلطة هي التي تحافظ على حقوق الأفراد.
كما يمكن للهيئة في حالات معينة أن تطلب مؤازرة الشرطة القضائية. والأكثر من هذا هو أننا في المستقبل القريب سنحاول وضع إطار للتعاون مع هذه السلطات؛ بما فيها النيابة العامة، حتى يكون لدينا تنسيق مبني على أسس واضحة ومتفق عليها من طرف الجانبين.
هناك إحساس لدى المواطنين بأن قضايا الرشوة المعروضة أمام المحاكم تتعلق برشاوى صغيرة، وهذا ما يتبين من تقارير النيابة العامة حول حصيلة الخط المباشر للتبليغ عن الفساد والرشوة؛ في حين لم يتم، إلى حد الآن، متابعة أحد في قضايا فساد كبيرة..
هذه المسألة قد تكون طبيعية، لأن ملفات الفساد التي يتم التبليغ عنها في الخط المباشر تستوجب حالة التلبس حتى تكون لها فعالية، وغالبا في هذه الحالات تكون القضايا من هذا المستوى الذي تحدث عنه، على عكس ملفات الفساد من حجم أكبر، والتي تتسم بالتعقيد، وقد تكون فيها شبكات وتلاقي المصالح بين الراشي والمرتشي، بل الغالب هذا الذي يحدث، إذ إن الراشي يحاول أن يحقق مصلحة ليست من حقه.
وفي هذا الإطار الجديد، وفي إطار التكامل الذي نتكلم عليه من المفروض أن ملفات من هذا النوع يمكن أن تبرز أكثر، وتكون موضوع بحث سواء من طرف الهيئة أو من طرف النيابة العامة في إطار التكامل.
ما هي المصادر التي ستعتمدونها في تلقي المعلومات حول قضايا الفساد الرشوة ثم فتح بحث بشأنها؟
ستكون هناك طرق متعددة؛ فنحن سنبقى منفتحين على المعلومات التي يمكن أن تصل إلى الهيئة. وهنا أريد أفتح قوسا بشأن مجال البحث والتحري، فهذا المجال يجب أن يحقق هدفين هما: الحد من الإفلات من العقاب، أما الهدف الثاني فهو تحقيق الردع؛ وبالتالي تقليص الإفلات من العقاب.
أما وصول المعلومات إلى الهيئة، فهناك قنوات متعددة، ويجب أن تكون هذه المعلومات موثوقا منها؛ فالهيئة لا يمكن أن تتصدى لأي معلومة يتم تداولها، بل يجب أن يكون لها وزنها ويكون هناك تقاطع بين مجموعة من المعلومات المتراكمة، والتي تقدم نظرة عن عمق هذه المعلومات ومدى صحتها أو احتمال أن تكون صحيحة، كما أن اليقظة واحدة من مهام الهيئة، من أجل مواكبة كيفية تطور الفساد ومصدره.
ومن هنا، يمكن أن نجمع معلومات قد لا تكون لها علاقة بملف معين؛ ولكن حينما تتقاطع يمكن أن تعطي نظرة عن احتمال وجود فساد في قطاع أو إدارة.
إلى حد سيتم حماية الموظفين المبلغين عن الفساد؟
أولا، الموظف ليس ملزما بالسر المهني حينما يقرر تبليغ الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. كما سبق للحكومة السابقة أن طلبت رأي الهيئة بخصوص مشروع قانون يتعلق بالموظفين الذين يثيرون الانتباه حول أفعال الفساد. وقد أدلينا برأينا السنة الماضية، كما تم بمناسبة إصدار التقرير السنوي برسم سنة 2021 نشر تقرير موضوعاتي حول حماية المبلغين كأداة لخلق جبهة مجتمعية ضد الفساد. وقد قدمنا من خلاله رأينا، وبين الوضع الحالي ومحدوديته وكذلك المقتضيات التي ينبغي أن يتضمنها التشريع المغربي من أجل حماية فعلية للمبلغين والشهود.
أما بالنسبة لعمل الهيئة، فإنها إما بمبادرة منها، أو بطلب من المبلغ يمكن أن تخفي هوية المبلغ، وذلك كآلية من آليات حماية المبلغين.
كلمة أخيرة
نحن نعتبر أن بلادنا في حاجة إلى خلق الثروة بكيفية أوسع، بكيفية مدمجة وأن يفتح الباب لجميع الطاقات من أجل المساهمة في تنمية البلد؛ وهذا ما جاء به النموذج التنموي الجديد. وكي نحقق أهداف هذا النموذج التنموي، لا بد من وضع أسس قوية جوهرها الحكامة المسؤولة والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد. وهذا شرط نعتبر أنه لا محيد عنه إذا أردنا أن ننطلق نحو تنمية مستدامة ومدمجة وتضمن الازدهار للبلد وتضمن الالتحام المجتمعي، وهذا الشرط يكون له وقع أكبر في أوقات الأزمات. وقد لاحظنا أن العالم بأسره يواجه أزمات، تتسبب في ضغط كبير على الدول. ولكي يواجه المغرب هذا الوضع، يجب تحجيم الفساد وفتح الباب أمام جميع الطاقات.
''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''''
كلمات مفتاحية:
المغرب,هيئة محاربة الرشوة,أخبار المغرب,محاربة الغلاء في المغرب,الفساد في المغرب,العاهل المغربي,مكافحة الفساد في المغرب,ملك المغرب,رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة,هيئة مكافحة الفساد,الحكومة المغربية,هيئة الرقابة,محاربة الفساد,الوقاية من الرشوة,الرشوة,الفساد فى المغرب,العمق المغربي,الملك المغربي,الفساد والرشوة,الحكومة المغربية الجديدة,أخبار المغرب كورونا,الهيئة الوطنية,هيئة مكافحة الفساد السعودية,جديد الحكومة المغربية